دور المحدثين في نشر العقيدة الصحيحة (الإمام البخاري أُنموذجاً)

مقالات حديثية
بواسطة Admin منذ 7 سنوات

 

 


إهداء

إلى الى مركز السنة والتراث النبوي للدراسات والتدريب تقديراً للجهود في خدمة السنة النبوية ونشرها للأبحاث والكتب ذات العلاقة، ومباركةً لجهودهم ودعماً لهم بمواصلة مسيرتهم، فجزاهم الله كل خير وأعانهم ويسّر أمرهم وسدّد خطاهم.

 

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فقد كان للمحدثين في القرون الثلاثة الأولى، الدور الأكبر بنقل السنة النبوية بموضوعاتها المختلفة، والعمل على نشرها بين الناس، لإعطاء الصورة الحقيقية الصحيحة عن الاعتقاد، والتدين، والعبادة بشكل صحيح، حتى يتجنب المسلم الوقوع في الخطأ والزلل، وتقبل عبادته، وتأسّيه بالرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن الأمور التي نقلها لنا المحدثون، هو الاعتقاد الصحيح، ومستلزماته، ونواقضه، وكل ما يتعلق به، وقد كان هذا النقل بمسارين اثنين هما:

الأول: روايتها كجزء من رواية الأحاديث، وتدوينها مختلطة مع موضوعات مختلفة متنوعة ضمن كتبهم، كما فعل أصحاب الكتب الستة وغيرهم.

والثاني: على شكل مؤلفات مستقلة كانت تسمى بمسميات مختلفة، من هذه المسميات ما عُرف باسم (السنة)، كما فعل الإمام أحمد وابن أبي عاصم، أو باسم (التوحيد)، كما فعل ابن خزيمة.

مما كان لهذا النقل والرواية إسهامٌ في نشر العقيدة الإسلامية الصحيحة ومتعلقاتها، والدور الأبرز في معرفة العلماء لها، لما لذلك من دور في نجاة المسلم في الدنيا والآخرة، وحفظه من الزلل والوقوع في الخطأ، وكذلك فيه إظهار لتكامل علوم الشريعة بعضها ببعض، وأهمية السنة النبوية لها ودورها في فهم الإسلام فهماً صحيحاً دقيقاً مبنياً على الأسس الصحيحة.

لذا، كان لا بد من تسليط الضوء على هذه الجهود، وإبرازها والاعتزاز بها، وإثبات هذا التكامل بين علوم الشريعة وفروعها بعضها ببعض، وسأتناول في هذه العُجالة عَلَماً محدّثاً من أعلام السنة النبوية، ذاع صيته، واشتهر بعلمه، ألا وهو الإمام البخاري، من خلال إبراز دوره في رواية أحاديث العقيدة الإسلامية في صحيحه ومنهجه فيها وكيف كان يرويها، وظني أن هذه السطور لن توفيَ الموضوع حقّه، فهو يحتاج لبحث أطول ورسالة علمية تؤصّل له، وتحلل جزيئاته المختلفة، لعلها تكون باباً يدخل منه غيري، ويوفيّه حقّه، فيبرز لنا هذه الجهود.

وسيكون حديثي عن صناعة البخاري وجهوده في رواية أحاديث العقيدة الإسلامية، من خلال تناول الكتب التي لها علاقة بها في صحيحه، ومسمّياتها المختلفة وتفاصيل هذه الأبواب من حيث عدد الأبواب، والأحاديث فيها، وكيفية ترتيبها، ومكانها في الصحيح من حيث التقديم والتأخير، وإبراز الموضوعات التي اشتملت عليها.

هذا وقد ذكر البخاري ستة كتب لها علاقة بموضوعنا، وتفصيل هذه الكتب هو كالتالي:

الأول: كتاب بدء الوحي:

وقد جعله الكتاب الأول من الصحيح، وذكر فيه باباً واحداً وهو كيف كان بدء الوحي إلى رسول -الله صلى الله عليه وسلم-، وذكر فيه سبعة أحاديث، بدأها بحديث النيّات، ثم ساق بعده ستة أحاديث، تتحدث عن صور تنزّل الوحي على الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

الثاني: كتاب الإيمان:

وقد جعله الكتاب الثاني في صحيحه، واشتمل على أربعين باباً، وعلى خمسين حديثاً، ويعتبر ذكر هذا الكتاب بعد السابق منطقياً؛ لأن فيه ترتيباً للأحداث، فنزول الوحي هو الخطوة الأولى للنبوة، ثم يليها مرحلة التبليغ والتي بدأها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان بالعقيدة الصحيحة، وغرس الإيمان في النفوس.

ومن الموضوعات التي ذكرها البخاري في هذا الباب: أركان الإسلام، وبعض الأحاديث التي تذكُر تمام الإسلام، وصفات المسلم الحقّة، وكذلك علامات حلاوة الإيمان، وكماله، وأنه اعتقاد بالقلب، فعل بالجوارح، ومتى يخرج المسلم من الملّة، وعلامات النفاق، وبعض الأعمال التي ذكرها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واعتبرها من الإيمان، وصفات المؤمنين، وكيفية حفظ الإيمان، والتحذير من الخروج من الملّة، من حيث لا يشعر المؤمن.

الثالث: كتاب بدء الخلق:

وترتيب هذا الكتاب هو التاسع والخمسون من بين كتب الصحيح، واحتوى على سبعة عشر باباً، وعلى مائة وخمسة وثلاثين حديثاً.

ذكر فيه خلق الأرض، ووجود سبع أراضين، وخلق النجوم، والشمس، والقمر، وصفتهما، والملائكة وبعض أعمالهم، والجنة وإثبات أنها مخلوقة، وصفة أبوابها، والنار وإثبات أنها مخلوقة، وصفة إبليس وجنوده، والجن وثوابهم وعقابهم، وبعض الفتن التي ستحصل في آخر الزمان.

الرابع: كتاب أحاديث الأنبياء:

وترتيب هذا الكتاب هو الستون بين كتب الصحيح، وعدد أبوابه ثلاثة وخمسون باباً، واحتوى مائة واثنين وستين حديثاً.

وذكر فيه بعض الأمور المتعلقة ببعض الرسل -عليهم السلام- وهم: آدم، ونوح، وإدريس، وهود، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ولوط، وصالح، ويوسف، وأيوب، وموسى، وشعيب، ويونس، وداود، وسليمان، وزكريا، وعيسى -عليهم السلام-.

الخامس: كتاب القدر:

ترتيب هذا الكتاب هو الثاني والستون، وعدد أبوابه ستة عشر باباً، واحتوى على ستة وعشرين حديثاً،

ذكر فيه بعض الأمور المتعلقة بالقدر، كمسألة متى يكتب القدر، والأعمال بخواتيمها، ومسألة الاحتجاج بالقدر، ومن هو المعصوم، والتعوّذ من سوء القضاء، وأنه لن يصيب العبد إلا ما كتب الله له، وأن الهداية بيد الله تعالى.

السادس: كتاب التوحيد:

وهو الكتاب السابع والتسعون، وهو الكتاب الأخير الذي ختم به الصحيح، وعدد أبوابه ثمانية وخمسون باباً، احتوى على مائة واثنين وتسعين حديثاً، ذكر فيه بعض القضايا المتعلقة بتوحيد الله –عزّ وجلّ- مثل: دعوة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- أمته لتوحيد الله، وأن لله تسعاً وتسعين اسماً، والحث على دعاء الله بها، وبعض هذه الأسماء كالسلام، والملك، والعزيز، والحكيم، والخالق، والقادر، والعليم، وبعض صفات الله تعالى، كالرزق، وعلمه بالغيب، والسمع، والبصر.

ثم ذكر بعض المسائل المتعلقة بذات الله تعالى، كعرشه، ومشيئته، وكلامه مع موسى -عليه السلام-، ومع أهل الجنة، وعدله.

وختاماً أسأل التوفيق والسداد، فما كان من صواب، فمن الله تعالى، وما كان من خطأ، فمن نفسي ومن الشيطان، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وأصحابه أجمعين.