عرض مختصر لكتاب المنهل الراوي لمجد الدين الشيرازي شرح الشيخ سليمان الأهدل

مقالات حديثية
بواسطة Admin منذ 7 سنوات

عرض مختصر لكتاب المنهل الراوي لمجد الدين الشيرازي شرح الشيخ سليمان الأهدل

د. ماهر الفحل


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمداً يليق بجلاله وكماله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله…

فقد اصطفى الله تعالى هذه الأمة، وشرّفها إذ اختار لها هذا الدين القويم، وجعل أساسها المشيد وركنها الركين ((كتابه العزيز)) (( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ))، وهيَّأ هذه الأمة لتضطلع بتلك المهمة، ألا وهي حفظ هذا الكتاب الذي تعهد الله تبارك وتعالى سلفاً بحفظه، فقال: (( إنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ))، فرزقها جودة الفهم وقوة الحافظة، ووفور الذهن، فلم يتمكن أحد – بحمد الله – من أن يتجرأ فيزيد أو ينقص حرفاً أو حركةً منه.

ولقد أدرك الصدر الأول أهمية ذلك، فروى الإمام مسلم ([1]) وغيره عن محمد ابن سيرين أنه قَالَ: (إنَّ هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم) وروى ([2]) أنه قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم).

ومن ثَمَّ افتقر الأمر إلى معرفة ضبط الراوي وصدقه، فكانت الحاجة ماسة إلى استكمال هذا الأمر، فكان نشوء ((علم الجرح والتعديل)) أو ((علم الرجال)).

وقد أدرك المسلمون – منذ الرعيل الأول، وحتى يوم الناس هذا – أهمية الحديث النبوي الشريف فحفظوا الأحاديث في الصدور، ودونوها في الدواوين، ونقَّروا عنها أشد التنقير والبحث كي لا ينضاف إليها ما ليس منها، فأنجبت هذه الأمة حُفَّاظاً عارفين وجهابذة ناقدين فكانوا بحق ينفون عن السنة تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فظهرت المصنفات والجوامع والسنن والمسانيد والأجزاء والمشيخات وغيرها في صور عدة وضروب كثيرة، حرصاً واحتفاظاً واعتزازاً بسنة الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وكان لابد من ظهور مؤلفات تُبين مصطلحات المحدثين في كتبهم ودروسهم، تكشف عما يريدون من إطلاقاتهم وأقوالهم.

وقد صُنف في هذا العلم كتب ما بين مطولة ومختصرة، ومنظوم ومنثور، وكانت العناية به من المتقدمين والمتأخرين، فتنوعت فيه المصنفات، وكثرت وتعددت، فمن مؤلف فيه بأوراق قليلة، ومن مصنف فيه بمجلدات كثيرة. ومع هذا لم يثن ذلك الأئمة من التصنيف والتأليف والشرح والتهذيب، وكل ذلك خدمة للسنَّة المطهرة، والاستمرار على نهج الأئمة السالفين، وإكمالًا من المتأخرين في التصنيف والتأليف، فإنَّ الأزمان تتوالى والأفهام تتغير، وكل زمن يحتاج إلى ما يناسبه، لذلك لم يألُ أهل العلم جهداً في بيان هذا العلم الشريف، في تحرير عباراته، وتدقيق مسائله، وتنقيح قواعده.

وكان هذا الكتاب ((المنهل الروي)) من بين الكتب التي اعتنت بهذا العلم الجليل، وقد أودع فيه ناظمه مجد الدين الشيرازي أنواعاً مهمة في علم الحديث، فشرحها الشيخ سليمان الأهدل بعبارة موجزة، واختصار نافع، مع بيان زيادات مفيدة، واستدراكات صائبة، فلم يكن شرحه مطولًا تطويلًا مملًا، ولا مختصرًا اختصارًا مخلًا، وقد ذكر فيه من الفوائد، وزاد فيه من العوائد. وأودع فيه عصارة ما صُنِّف في هذا الفن، على لطافة حجمه، كما سترى في طياته. فجاء الإمام الأهدل موضحاً لهذه النظم، محللاً لألفاظه، متممًا لفوائده، جامعًا لمقاصده، ففتح من كنوزه المحصنَّة الأقفال، وطرح عن رموزه الإشكال، فرحمهما الله رحمة واسعة آمين.

وفي أثناء قراءتي له تجلت لي بعض المسائل:

1- أنَّ النظمَ قيِّمٌ، ومُوجزٌ، وعدد أبياتِه (35) بيتاً، وصاحبه من أكابر أهل العلم الذين استوطنوا اليمن في فترةِ عِزها ومجدِها، واعتنائها بالعلم وأهله، وهو الإمام أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي (ت817ه) صاحب القاموس المحيط، كما أنَّ له تآليف قيمة في التفسير والفقه والحديث واللغة، وقد جمع المحقق 40 مؤلفاً له ما بين مطبوع ومخطوط.

2- حوى النظم على بيان عشرين نوعاً من أنواعِ الحديثِ النَّبوي الشَّريف، وهذه الأنواع أهم ما ينتفع بها طالب العلم المبتدئ، ومنها يمكنه التدرج إلى ما فوقها.

3- وبين مقارنتي بين هذا النظم ونظم البيقونية، وجدتُ أنَّ هذا النظم قبل نظم البيقونية المشهور بحوالي (263) سنة تقريباً، وهو في نفس حجمه تقريباً، ومع ذلك لم يشتهرْ بين طلاب الحديث بسبب بقائه مخطوطاً، وهذا حال كثير من نوادر المؤلفات التي ما زالت قابعة في دور المخطوطات.

4- أما شارحه وهو الإمام سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل (ت1197ه)، فكان محدث الديار اليمنية غير مدافع، ورحل إليه طلبة العلم من سائر البلاد، وتفرد بهذا الشأن واجتمع لديه آخر أيامه منهم جماعة وافرة، وهو المفتي في الجهات الزبيدية.

5- جاء شرحَهُ ممتعٌ، سهل العبارةِ، غزيرُ الفَائدةِ، أسلوبه مناسب لطلاب العلم المبتدئين في هذا العصر.

………………………..

والله أسأل أن يكتب له القبول،..

 

 

([1]) مقدمة صحيح مسلم 1 / 14 طبعة عبد الباقي .

([2]) المصدر السابق  1 / 15 .