مقترحات لتفعيل دور أقسام الحديث في كليات الشريعة للدفاع عن الصحيحين

مقالات حديثية
بواسطة Admin منذ 5 سنوات

مقترحات لتفعيل دور أقسام الحديث في كليات الشريعة للدفاع عن الصحيحين

د. أكرم محمد إبراهيم نمراوي

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فلا لا يخفى على أحد مكانة الصحيحين وقيمتهما العلمية، وتلقي الأمة لهما بالقبول، وكذلك مكانة الشيخين (البخاري ومسلم) العلميّة، وكيف قاما بتأليفهما، وطريقة انتقائهما للرواة ومروياتهم، النابعة من غزارة علم وسعة إطلاع ،وقبل هذا تأنٍّ ودقةٍ وحرصٍ، وبالتالي كان لهما الأهمية العظيمة، والقيمة الكبيرة بين كتب السنة النبوية، بل احتلالهما المكانة الأولى بينها.

ثم إن الصحيحين تعرضا لهجمة وحملة شرسة من قبل المعاصرين، وقديمًا كذلك، لكنها أشرس وأعنف هذه الأيام، فقد اتخذت منطلقات وأسباب مختلفة، أكثرها بهدف الطعن والتشكيك والإلغاء، ثم اتخذت صورًا وأشكالًا وألوانًا مختلفة، لكن أكثرها كان اجترارًا وتكرارًا لمن سبق، لكنه طُرحت بصِيغة أخرى، ومما يُؤسَف له أنه هذه الحملة يقودها ووقودها هم من أبناء المسلمين، بل وبعضهم من المتخصصين بالعلوم الشرعية بشكل عام وعلم الحديث بشكل خاص ويحمل أعلى الشهادات والرتب العلميّة.

ومن هنا كان لا بد من التصدي لهذه الحملة، ولهذه الشبهات وكشف زيف ادعائها وبطلانها، فظهرت الكثير من المؤلفات والمصنفات والرسائل العلميّة في هذا المجال، لكنها لم تؤتي أُكُلها بشكل كامل، وكان لا بد من تسجيل بعض الملاحظات عليها، التي منها:

  1. عدم وجود التنسيق بين الذين كتبوا الردود وبالتالي بقيت لوحة فسيفسائية مشتتة مبعثرة تحتاج للربط بين أجزائها المختلفة لتخرج بأبها وأجمل صورة.
  2. صدور بعض هذه الردود من غير المتخصصين بعلم الحديث، أو من متخصصين لكنهم في بدايات الطريق فيه، وكان لافتًا غياب أبحاث وردود أعضاء هيئات التدريس في أقسام الحديث في كليات الشريعة المختلفة – إلا النزر اليسير الذي لا يفي بالغرض وحجمه وخطره –.
  3. عدم وجود منهجية وطريقة واحدة في الردود وآلياتها وكيفياتها وطريقة عرضها وتناولها للشبهات.
  4. وجود التكرار في بعض الردود وعدم إتيان اللاحق بجديد على السابق.
  5. غياب الدقّة العلمية في بعضها وتغليب العاطفة وتهييج المشاعر، واشتمالها على كلام إنشائي عاطفي لا يقدّم ولا يأخر.
  6. عمومية بعض الردود وعدم تفصيلها المسائل التي تناولتها.

هذا وقد كان لافتًا للنظر غياب كليات الشريعة في العالم الإسلامي بشكل عام وأقسام الحديث بشكل خاص – فيما أزعم – عن هذه الردود إلا النزر اليسير الذي لا يحقق الهدف المطلوب والمأمول، وكذلك غياب التنسيق بين هذه الجهود، ومن هنا كان لا بد من الحديث عن دور هذه الكليات والأقسام في حملة الدفاع عن الصحيحين، واقتراح بعض الخطوات للتفعيل حملة الدفاع.

ومن هذه المقترحات على سبيل المثال لا الإجمال:

أولًا: المؤتمرات العلميّة المتخصصة في الدفاع عن الصحيحين:

وهذه المؤتمرات نريدها متخصصة بطريقة علميّة ومنهجية دقيقة، وتواكب المستجدات من الشبهات، وتكون الردود علميّة عملية وبطريقة معاصرة تناسب الواقع ولغة العصر والتقدم العلمي في شتى المجالات، ونريد لها أن تكون متتالية متتابعة يكمل بعضها بعضًا، مع التنبيه على ضرورة التنسيق التام بين جميع كليات الشريعة والأقسام في الجامعات المختلفة، وكذلك ضرورة توزيع الأدوار والجهود والموضوعات.

وهنا نسجل التقدير لبعض الكليات التي أقامت مثل هذه المؤتمرات، أو ساهمت ببعض الجهد فيها، مثل: كلية الشريعة في الجامعة الأردنية حين ساهمت بإقامة مؤتمر (الانتصار للصحيحين) بالتعاون مع جمعية الحديث الشريف وإحياء التراث الأردنية سنة 2010 ميلاديّة، وتم تناول فيه بعض الجوانب العلمية حولهما، والردود حول الطعون الموجهة ضدهما.

لكن ما نريده أن تستمر مثل هذه المؤتمرات والبحوث وذلك لاستمرار حملة الطعن والشبهات، فنحتاجها مواكِبة لها ومتابعة.

ثانيًا: تشكيل اللجان الخاصة من مختلف الكليات والجامعات والبلاد لمتابعة الشبهات وكيفية الرد عليها والتنسيق مع الجميع لتكامل الأدوار وتوزيعها، في الوقت الذي سهّلت وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام التواصل هذا الأمر، وأصبح من السهل التواصل بينها، وكذلك الاطلاع على ما تم إنجازه والكتابة فيه ليتم البناء عليه والانطلاق منه وتكملته.

ثالثًا: المؤلفات والأبحاث المختلفة وتوجيه الرسائل العلمية نحو هذه الردود، لكننا لا نريدها تقليديّة كسابقها، بل نريد فيها الجديد من حيث الشكل والمضمون والمنهجيّة الدقيقة السليمة، ولا مانع من إشراك غير المتخصصين بالعلوم الشرعية إذا دعت الحاجة، مثل أصحاب التخصصات الطبية والعلمية والتربوية والاجتماعية وغيرها.

رابعًا: عمل المطويات والنشرات السريعة المختصرة المركّزة وبلغة بسيطة سهلة، تكون موجهة للعامّة، يتم من خلالها إبراز مكانة وقيمة الصحيحين ومؤلفيهما، وأهميتهما والمنهج العلمي السليم في التعامل معهما، وبيان جهود البعض المضادّة حولهما، ومحاولة النيل منهما.

خامسًا: توجيه طلاب الدراسات العليا لكتابة الرسائل العلمية للدفاع عن الصحيحين، وقد قامت بعض الأقسام بذلك لكننا نطمح للمزيد كمًّا ونوعًا، وذلك لما للرسالة العلمية من قيمة ومكانة في هذا المجال.

سادسًا: التعاون على مستوى الدولة الواحدة أو الدول المختلفة، ولعل هذا جانب مهم جدًا بل ضروري لتحقق حملة الدفاع عن الصحيحين ثمارها المرجوّة، وذلك من باب التدّارس وتبادل الخبرات والجهود والاستشارات، وتكامل الجهود وتكملتها لبعضها البعض حتى لا نبقى ندور بنفس الدائرة الواحدة، مما يكون لذلك الأثر الطيب والإيجابي.

سابعًا: عمل الدورات والمحاضرات والندوات للعامة للمتخصصين وغير المتخصصين، وتكون بلغة سهلة مفهومة مختصرة مركّزة ارتاعي أحوال الفئة المستهدفة.

ثامنًا: المناظرات العلمية مع الطاعنين بالصحيحين ومثيري الشبهات إن أمكن، وأن تكون علنيّة على وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي لتعم منها الفائدة.

تاسعًا: عمل المواقع على الانترنت والصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي وتفعيلها، وتجديدها باستمرار من خلال نشر كل ما هو جديد من الشبهات والردود عليها.

عاشرًا: محاولة التواصل مع وسائل الإعلام والفضائيات لبث بعض البرامج المتعلقة بالصحيحين والدفاع عنهما ضمن منهجية علميّة متسلسلة متدرجة.

 

وختامًا: ما أحوجنا هذه الأيام إلى جهود كليات الشريعة بشكل عام وأقسام الحديث الشريف فيها بشكل خاص للدفاع عن الصحيحين وردّ الشبهات عنهما، ولن يؤتي هذا الجهد ثمرته وأكله إلا إذا تكاملت الجهود وتكاتفت وتعاون وأكملت بعضها البعض، مع أمنياتنا أن يأخذ المتخصصون دورهم الحقيقي والريادي في الدفاع عن الصحيحين من خلال منظومة متكاملة واضحة محددة متدرجة متسلسلة، لتحقق المطلوب.

هذا ما قلته فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي المقصرّة والشيطان ،،،،

وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.