العلّامةُ السَّخاويُّ وترجمةُ المحدِّث الأمير يوسفَ بن شاهِينَ الكركي؛ سِبطِ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ
أبو شذا محمود بن عبد الفتاح النحال
العلّامةُ السَّخاويُّ وترجمةُ المحدِّث الأمير يوسفَ بن شاهِينَ الكركي؛ سِبطِ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد احتفى العلّامةُ السَّخاويُّ بترجمةِ سبطِ الحافظِ ابنِ حجرٍ أيّما احتفاء، وقد رجَع في ذلك لعَشَراتِ المصادرِ من أجْلِ التَّأريخِ لترجمةِ السِّبط:
ففي تقييدِ تاريخِ ولادتِه رجَع لخطِّ شيخِه الحافظِ ابنِ حَجَرٍ، ونقل: «وُلد كما قرأتُه بخطِّ شيخِنا في ليلةِ الاثنين عندَ صلاةِ العشاءِ من ثامنِ ربيعٍ الأوَّلِ سنةَ ثمانٍ وعشرين وثمانِمائةٍ».
وفي تقييدِ بعض مسموعاتِه وإجازاتِه رجَع إلى أصلِ سماعِ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ من «سُؤالاتِ البَرقانيِّ للدَّارَقُطنيِّ»، ونقل: «وسمِع على جدِّه كثيرًا، بل قرَأ له على تِجار البالسيَّةِ جزءًا».
قلتُ: وهذا الجزء هو «سؤالات البَرقاني للدارَقطنيِّ». فقد قال الحافظُ في «المجمع» في ترجمةِ المحدثة تِجار: «قرأتُ عليها جزءًا من «سُؤالاتِ البَرقانيِّ للدارقطنيِّ» وسمِع معي سِبطِي يوسفُ بنُ شاهينَ الكَرْكِيُّ».
وقال السَّخاويُّ: وكذا قرَأ على جدِّه فيما شاهدناه «التَّقريب» وغيرَه، وكتب عنه في «الأمالي»، وقابل عليه أشياءَ مِنْ تصانيفِه، وقرأ عليه داخلَ البيتِ: «البُخاريَّ» و«النُّخبةَ».
وفي تقييدِ ما كتبه السِّبطُ بخطِّه قال: «وأكثرَ من كتابةِ الأجزاءِ وغيرها، وكان فيهما كحاطبِ ليلٍ…».
وقال: «وقد كتَب بخطِّه الكثيرَ لنفسِه، وبعض ذلك بالأجرةِ، وليس خطه بالطائلِ؛ لا سندًا ولا متنًا، بل ولا يُعتمد عليه في كثيرٍ مما يُبدِيه؛ لتساهُلِه …».
وأثناء حديثِه عن «كِتاب النُّجُومِ الزاهرةِ بتلخيصِ أخبارِ قُضاة مصرَ والقاهرة» للسِّبط، قال: «وقد رأيتُ هذا الكتابَ خاصةً، وهو مختصَرٌ، لخَّص فيه «رفْع الإصر» من نسختي، وكتب من هوامشها ما أثبتُّه من تراجمِ مَن تأخَّر، وزاد أشياءَ منكَرةً، وأساء الصنيعَ جدًّا؛ حيث وصف تصنيف جدِّه بقوله: وجدتُ فيه بعضَ إعوازٍ في مواضعَ… ومنها: إهمالُهُ بعضَ تراجم أسقطَها أصلًا ورأسًا، ولعلَّها كانت في زجاجات فلم يظفَر بها المبيِّضُ…».
ولذلك كتَب المحبُّ بنُ الشِّحنةِ قبلَ مصاهرتِه إذ وقف على هذا ما نصه: «كأنَّه ينسبُ جدَّه إلى القُصور في البلاغة، وإلى قلَّة المعرفة بالأدب، وأنَّه أبصرُ منه بذلك».
ثمَّ بيَّن أنَّ الصَّواب «جُزازات» لا «زجاجات».
قلت: والنُّسخةُ التي شاهدها السَّخاويُّ، وأفاد بما عليها من تعقُّبات المحبِّ بنِ الشِّحنةِ؛ هي التي في المكتبة الوطنيَّة بباريسَ، وعليها خطُّ السبطِ في مواضعَ، وطرة لابنِ الشحنةِ بأن «زجاجات» صوابه: «جزازات».
وقد قيد بعض الفضلاء نُبذة مختصرة عن هذه النُّسخةِ نشرت بـ (مدونة المخطوطات الإسلامية).
وعندما تحدَّث على «رَونقِ الألفاظِ بمعُجمِ الحفَّاظِ» أفاد بأن جدَّه أعطاه نصفَ ترتيبِه لـ «طَبَقات الحفاظ» للذَّهَبي، وأرشده للتَّكميل عليه ففعل، ولكنه لم يتمَّ إلا بعد وفاتِه، وسماه «رَونق الألفاظ بمعجم الحفاظ».
وأن السّبط التمس من عَلَم الدين البُلقَيني تقريظه، وأن علم الدين رآه نقل عن جدِّه أشياءَ فأفحشَ في إنكارِها بهامش النسخةِ في غير ما موضعٍ.
وأن قُطب الدين الخَيْضَرِي كتب تسمية كتابِ سبطٍ بخطِّه، بعدما وصفه سبطٌ في الخطبةِ بشيخِه العلَّامة حافظ الوقتِ.
قلتُ: وكلُّ هذه المشاهداتِ الدقيقة تظهَر في الجزءِ الأولِ من نسخةِ (مجموعةِ مدينة) المحفوظة في متحفِ أحمد الثالث، والمصادرة من المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة في الوقعة المعروفة بـ (سفر برلك)؛ فيما أحسب.
فالتسميةُ بخطِّ الخَيضريِّ، وعلى ظهر النُّسخة تقريظُ صالح بن عمرَ البُلْقَيْني، وبطُرَرِ النسخةِ بعضُ ما انتقده علمُ الدينِ على الحافظِ ابنِ حَجَرٍ.
وعندما تحدَّث السخاويُّ على «كتابِ منحةِ الكرامِ بشرحِ بلوغِ المرامِ» لسِبطٍ قال: و«كأنَّه اعتمدَ على القطعةِ التي عمِلها جدُّه من «شَرح المحرَّر» لابنِ عبدِ الهادي».
وعندما تحدَّث عن جُزئه الذي جرد فيه أسماءَ مَن أجازوا له قال: «وعمِل جزءًا جرد فيه أسماء الشُّيوخ الذين أجازوا له ونحوهم في كراريسَ، لا تَرَاجم فيها، وقَع له فيه تحريفُ أسماء؛ لكونِ اعتمادِه فيها على النَّقلِ منْ الِاستدعاءاتِ، ومواضع سقط عليه مِنَ الأنساب، فلزِم تكرير الواحدِ في موضعينِ فأكثرَ وهو لا يشعُرُ، وربُما يكون تكرارُهما في موضعٍ واحدٍ، وأماكن يَضبطُها بالحروفِ أو بالقلمِ وهي خطأٌ، ومواضع لا ُيحسنُ قراءتَها، فيُخَلِّيها مِنَ النَّقْطِ فضلًا عن الضَّبط، وأماكن يحذِف ما تكونُ شُهرة المرءِ به، بحيثُ يمرُّ عليه مَنْ يعرفُه فيظنُّه آخرَ؛ لعدمِ اشتهارِه بذلك، بل ربما يكون ذاك الوصفُ مع ذلك للمذكورِ تنقيصًا، إلى غير ذلك».
أبو شذا محمود بن عبد الفتاح النحال
رياض نجد
غرة صفر سنة (1440هـ)