وقفات مع الطاعنين المعاصرين بالسنة النبوية
د. أكرم نمراوي
إهداء:
إلى الإخوة الأكارم في مركز السنة والتراث النبوي للدراسات والتدريب، تقديراً للجهود في خدمة السنة النبوية ونشرها للأبحاث والكتب ذات العلاقة، ومباركةً لجهودهم ودعماً لهم بمواصلة مسيرتهم، فجزاهم الله كل خير وأعانهم ويسّر أمرهم وسدّد خطاهم.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فلا زالت الحملة على السنة النبوية مستمرة منذ زمن طويل، وكانت كلما ازدادت ظهر من يدافع عنها، ويبذل جهده لبيان الزيف والباطل، واليوم لا زالت هذه الحملات والشبهات تثار، لكنها اتخذت أشكالًا وصورًا مختلفة بعض الشيء عن سابقتها، لكنها ظلت تدور في فلكها ولم تخرج عنها فقد خرجت من رحمها، لكن الذي اختلف هو اتساع الدائرة ودخول أشخاص جدد بعضهم متخصصٌ بعلوم الشريعة بشكل عام وعلم الحديث بشكل خاص، وكذلك دخلت لمناطق ومدن وبلاد كانت بعيدة كل البعد عن هذه الطعون.
وقد أحببت في هذه العجالة الوقوف مع الطعون المعاصرة عدة وقفات، لعلها تسهم في كشف لفت الأنظار وكشف بعض المستور، وتشحذ الهمم للرد عليها ودحضها بالطرق العلمية، وهذه الوقفات هي:
الأولى: دخول المتخصصين بعلوم الشريعة:
لاحظت بالفترة الأخيرة دخول عدد من المتخصصين بعلوم الشريعة بشكل عام وعلوم الحديث بشكل خاص، وبعض هؤلاء في بلاد عربية وإسلامية، وبعضهم يدرس أو يُدّرس بجامعات ويحمل رتبًا علمية أكاديمية، بل أعلى الرتب كذلك، وقد اكتشفنا أن بعضهم يحمل هذه الأفكار منذ زمن طويل، لكنه لم يصرّح به إما خوفًا على نفسه وسمعته أو ممن حوله من زملائه في العمل، والبعض الآخر منهم حديثي التخرج أو في سن الشباب لكن ممن تأثر بالطاعنين.
وتكمن خطورة مثل هذه الظاهرة هو سرعة إقناع الآخرين والعوام بما يقولون وذلك لثقة الناس بهم وبتخصصاتهم، خصوصًا ببعض المناطق النائية أو التي لا زالت فطرة التدين لم تتلوث عندهم.
ثانيًا: لا جديد لديهم سوى اجترار القديم:
فلن أبالغ لو قلت أن الطعون المعاصرة لا جديد بها، فما هي إلا تكرار واجترار لمن سبقهم من المستشرقين أو المنحرفين فكريًا، لكن قد يكون بطريقة جديدة مناسبة للغة العصر وذلك من خلال استخدام وسائل التواصل والتوجه نحو الشباب أكثر من كبار السن.
ثالثًا: ازدياد الظاهرة:
ازدادت هذه الظاهرة وانتشارها بشكل أكبر وأكثر من السابق – فيما أرى – وقد دخلت لمناطق وبلاد جديدة، وإلى أماكن لم نكن نتوقعها، وهذا دليل على مدى قوة هذه الحملات ومقدار الجهد الذي يبذله دعاتها، ومدى التخطيط والتنظيم الذي يعملون من خلاله، وهنالك فئة أخرى لم تقتنع بشكل تام بما يُطرح لكنهم دخلوا مرحلة الشك التي هي بداية الدخول لهذا العالم.
رابعًا: الجرأة على السنة من قبل صغار السن والشباب:
تركزت الجهود على الشباب أكثر من كبار السن، وذلك بسبب سهولة التأثير عليهم، فكبار السن قد تحصّن أكثرهم فلم يعد التأثير عليهم سهل، ونلاحظ أن التوجه نحو المتدينيين من الشباب أكثر من غيرهم وذلك لاستغلال العاطفة الدينية عندهم.
خامسًا: تنظيم منظّم:
يبدو أن هذه الفئة لديها تنظيم منظّم يحركها ويسيّرها ويخطط لها ويمولها ماديًا، وتتحرك ضمن خطة محكمة لها أهدافها وطرق عملها، ونجد كذلك أن لهم رموزًا وحول هذه الرموز أتباع وتلاميذ يتم توجيههم نحو ما يريدوا.
سادسًا: عدم وجود منهجية علمية منضبطة:
تتصف هذه المجموعات بعدم وجود منهجية علمية – أؤكد علمية وليست تنظيمية – منضبطة تسير وفق رؤية وخطة واضحة في طرحها للشبهات والطعون، فتجدهم يثيروا الشبهات هنا وهناك، ثم إذا طُلب منهم الدليل – الذي لا يملكوه – وجدتهم يشرقوا ويغربوا ولا يستطيعوا أن يأتوا بالدليل على ما يقولون، فيلجأون إلى طرق أخرى للتغطية على ضعف حجتهم.
سابعًا: عدم التصريح بالرأي واضحًا والتشويش بإدخال عدة موضوعات بموضوع واحد:
حيث يلقوا شبهة ليست صريحة أو واضحة، بل بشكل مختصر بل قد يكون جملة أو جملتين فقط احتوي فكرةٍ ما، والهدف من ذلك هو إثارة الشكوك ولفت الأنظار وتوجيه الآخرين للبحث والتفكير بما يقولون، ومن الوسائل التي يستخدموها لتمويه المناقش لهم ولتوجيه الأنظار هو إدخال عدة موضوعات بمكان واحد أو وقت واحد، ثم يتوجهوا للسب والشتم وتوجيه الاتهام للمخالف.
وكذلك يحرصوا على عدم الكشف عن هويتهم وحقيقة ما يعتقدون، حتى يَحَار المقابل لهم بتصنيفهم ومعتقدهم العقدي والفكري، فمرة تجدهم يلبسوا لباس الشيعة وأخرى القرآنيون وثالثة الحداثة وغيرها، والهدف حتى يبقى المقابل لهم في حيرة من تصنيفهم وبالتالي حتى لا يسهل الرد عليهم.
ثامنًا: استخدام وسائل التواصل أكثر من المقالات والكتب:
ولعل السبب في ذلك هو سهولة انتشارها وعدم وجود رقابة عليها، فتجدهم ينتشروا على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وينشئوا الصفحات والمنتديات هنا وهناك، ويحاولوا الوصول لأكبر عدد ممكن – وخصوصًا الشباب كما ذكرت – ويديروا الحوارات ويحاولوا توجيهها كما يريدوا، وكذلك تشعر أن دورهم منظم، فكل واحد له مهمة يقوم بأدائها.
تاسعاً: دخول الإناث على هذه الظاهرة:
فتجدهنّ يشاركن بفاعلية ويناقشن المخالف، وهذا ما لم نكن نلمسه بشكل واضح قديمًا.
عاشرًا: استخدام الشباب ووضعهم في الواجهة:
من الأمور التي يلحظها المدقق والمتابع وجود كتابات علميّة قوية ومصاغة بطريقة لغوية متقنة رصينة، وقد تجد بعض المواقع لغير المتخصصين بعلوم الشريعة تحتوي على عدد كبير ودقيق من الأبحاث الشرعية، مما يجعلك تقف مليًّأ وتفكر كيف يمكن أن يصدر مثل هذا من مثل هؤلاء؟ مما يجعل المتابع يصل لنتيجة مفادها أن هؤلاء واجهات فقط حيث يُكتب لها وما هي إلا ناقلة له فقط أو ناشرة.
وبعد: فإن الهجمة على السنة النبوية مستمرة وتتخذ صورًا وأشكالًا مختلفة مع أنها لم تأت بجديد، وهنا أسجل دعوتي للشيوخ والدعاة والدكاترة بضرورة شحذ الهمم وبذل المزيد من الجهود لكشف هؤلاء والرد عليهم وبيان بطلان دعواتهم، وكذلك لإخواني طلاب الدراسات العليا بتوجيه رسائلهم وأبحاثهم العلمية نحو الردود وكشف الشبهات والرد عليهم.
ختامًا: أسأل الله تعالى أكون قد أصبت ووفقت، وأن تكون هذه الكلمات فاتحة خير لتلسيط الضوء على هذه الطعون وتفتح الباب نحو الآخرين للبحث والدراسة وبذل الجهود.
أسأل الله أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه،،،، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين