تصنيف الإمام العجلي من المتساهلين في الجرح والتعديل

مقالات حديثية
بواسطة Admin منذ 7 سنوات

تصنيف الإمام العجلي من المتساهلين  في الجرح والتعديل

د. أكرم محمد نمراوي


إهداء

لمركز السنة والتراث النبوي للدراسات والتدريب تقديراً لجهودهم في خدمة السنة النبوية ونشرهم للأبحاث والكتب المتعلقة بهم، ومباركةً لجهودهم ودعماً لهم بمواصلة مسيرتهم، فجزاهم الله كل خير وأعانهم ويسّر أمرهم.


المقدمة

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فقد سخّر الله للسنة النبوية من يقوم بخدمتها وحفظها على مر العصور المختلفة، فظهر علماء أجلاء في مختلف فنونها وعلومها، من هؤلاء الإمام العجلي في علم الجرح والتعديل، وهو من أوائل من تحدث فيه وألَّف، فظهر كتابه الثقات للإمام العجلي، وتحدث فيه عن مجموعة من رواة الحديث.

قام مجموعة من العلماء المعاصرين بوصفه من المتساهلين بالجرح والتعديل، وبالتالي التوقّف في بعض أحكامه ورفضها خصوصاً إذا انفرد بالتوثيق أو خالف غيره، ومن هؤلاء الإمام المعلمي اليماني ثم سار على نهجه الإمام الألباني([1]) وغيرهم، مع أنني لم أجد من السابقين من وصفه بهذا الوصف.

وقد برّروا قولهم هذا بمجموعة من الأسباب، منها أنه وثق بعض الرواة المجاهيل، قال المعلمي اليماني: “والعجلي قريب منه – أي من ابن حبان – في توثيق المجاهيل” ([2])، وغيرها من الأسباب الأخرى، فأحببت أن أجلي هذه المسألة بطريقة علميّة، من خلال ذكر هذه الأسباب ومناقشتها ثم الترجيح بينها.

وقد قسمت البحث في المسألة إلى ثلاثة مطالب وهي:

المطلب الأول: التعريف بالإمام العجلي وفيه:

    أولاً: اسمه ومولده وشيوخه وتلاميذه.

    ثانياً: طلبه للعلم.

    ثالثاً: ثناء العلماء عليه.

المطلب الثاني: بعض المسائل حول كتابه، وفيه ثلاثة مطالب، هي:

    أولاً: اسم الكتاب.

    ثانياً: مدح العلماء للكتاب.

    المطلب الثالث: هل العجلي من المتساهلين في الجرح والتعديل.

وأخيراً أسأل الله التوفيق والسداد، فإن أصبنا فمن الله، وإن أخطأنا فمن أنفسنا المقصرة والشيطان.

الدراسات السابقة حول الموضوع

من خلال البحث والاطلاع لم أعثر على دراسة متخصصة حول هذه المسألة بالتحديد، لكن هناك بعض الدراسات المتعلقة بالإمام العجلي ومنهجه في الجرح والتعديل، ومن هذه الدراسات ذات الصلة:

أولاً: منهج الحافظ العجلي في كتابه الثقات: الدكتور محمد عبد الرزاق الرعود، بحث علمي محكّم منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، جامعة آل البيت، المجلد (4)، العدد 4، 12/8/2008م:

حيث قام الدكتور الباحث بالتعريف بالإمام العجلي وكتابه، وهل يعتبر من المتساهلين في الجرح والتعديل، أم أنه مثل غيره من النقاد؟ وقد رجّح الثانية، ثم تكلم عن منهجه في كتابه وذكر نسباً مئوية، وأشار إشارة سريعة إلى أن من منهجه أنه وثق بعض الضعفاء والمجاهيل وذكر بعض الأمثلة على ذلك دون التفصيل، ويختلف بحثي هذا أنه مخصص لجزئية واحدة من منهجه، ألا وهي تصنيفه هل هو متشدداً أم متساهلاً في الجرح والتعديل.

ثانياً: توثيق العجلي: للدكتور حاتم بن عارف العوني الشريف، وهو بحث صغير منشور على الشبكة العنكبوتية في عدة مواقع ولم أظفر به ورقياً، عرّف فيه بالإمام العجلي، وكتابه من حيث اسمه وشرطه فيه، ثم ردّ على من اتهمه بالتساهل وأنه مثل غيره من أئمة الجرح والتعديل، وأشار إشارةً سريعةً إلى مسألة توثيقه للمجاهيل ورد عليها بشكل مختصر دون ذكر أي مثال على ما قال، أو ذكر رواة وصفهم بالجهالة.

ثالثاً: مصطلح لا بأس به عند الإمام العجلي: الدكتور محمد مصلح الزعبي، والدكتور محمد الشريفين: بحث علمي محكّم منشور في مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية، المجلد7 العدد3، تشرين أول2010م، تحدثوا فيه عن حياة الإمام العجلي وكتابه، ثم حصر الرواة الذين قال فيهم (لا بأس به) ودراسة أحوالهم، ولم يتطرقوا بالمطلق للرواة المجاهيل.

رابعاً: تعليقات من قبل بعض العلماء حول تساهل الإمام العجلي، كالمعلمي اليماني ومحمد ناصر الدين الألباني ومقبل بن هادي الوادعي، مبثوثة في كتبهم المختلفة، وسيتم الإشارة إلى بعض هذه الأقوال في ثنايا البحث إن شاء الله.

المطلب الأول: ترجمة الإمام العجلي

أولاً: اسمه، ومولده، وشيوخه، وتلاميذه

اسمه: أحمد بن عبدالله بن صالح بن مسلم، أبو الحسن العجلي ([3]).

مولده ووفاته: ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة ([4]). وتوفي سنة إحدى وستين ومائتين ([5]).

شيوخه وتلاميذه: من أشهر شيوخه: شبابة بن سوار، ومحمد بن جعفر غندر، والحسين بن علي الجعفي، وأبي عامر العقدي، ومحمد ويعلى ابني عبيد الطنافسي ([6]).

تلاميذه: ولده صالح، وسعيد بن عثمان الأعناقي، ومحمد بن فطيس، وعثمان بن حديد الإلبيري، وسعيد بن إسحاق ([7]).

طلبه للعلم : يُعتبر العجلي من علماء الحديث، وخصوصاً في علم الجرح والتعديل، ومما يدل على ذلك مجموعة من الأمور منها:

الأول: طلبه للعلم بسن مبكرة من حياته، حيث كان عمره خمسة عشر عاماً.

يقول هو عن نفسه:” طلبت الحديث سنة سبع وتسعين ومائة، وكان مولدي سنة اثنتين وثمانين ومائة” ([8]).

الثاني: رحلته لطلب العلم إلى بلاد مختلفة، حيث بدأ ببلده الكوفة ثم رحل إلى بغداد والبصرة ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة واليمن والشام ومصر ([9]).

الثالث: كثرة شيوخه وتلاميذه.

الرابع: مدح وثناء العلماء عليه وعلى كتابه وعلمه.

ثناء العلماء عليه

مدحه كثير من العلماء، وأثنوا عليه ووصفوه بألفاظ تدل على سعة علمه وغزارته، وأنه من المشهود لهم به وأسبقيّته فيه، من هذه الأقوال:

قال ابن معين: “ثقة ابن ثقة ابن ثقة” ([10]).

قال عباس الدوري: “إنما كنا نعدّه مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين” ([11]).

قال الخطيب البغدادي: “كان حافظاً ديناً صالحاً” ([12]).

قال الوليد بن بكر الأندلسي: “من أئمة الحديث الحفاظ المتقنين، من ذوي الورع والزهد” ([13]).

قال زياد بن عبد الرحمن أبو الحسن اللؤلؤي: “سمعت مشايخنا بالمغرب يقولون: “لم يكن للعجلي ببلادنا شبيه ولا نظير في زمانه في معرفته بالحديث وإتقانه وزهده” ([14]).

قال ابن عبد الهادي: “الإمام الحافظ القدوة” ([15]).

قال الذهبي: “الإمام الحافظ الأوحد” ([16]).

قال ابن ناصر الدين: “كان إماماً حافظاً قدوة من المتقنين، وكان يعدّ كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين” ([17]).

قال المقريزي: “كان فاضلاً علاّمة من أهل الحديث والفضل” ([18]).

قال السيوطي : “الإمام الحافظ القدوة” ([19]).

المطلب الثاني: بعض المسائل المتعلقة بكتابه

أولاً: اسم الكتاب:

اختُلف في اسم كتابه على عدة أسماء مختلفة، وهذه الأسماء هي:

الأول: الثقات: وجاء ذلك في الصفحة الأولى من ترتيب الإمام الذهبي ([20])، وذَكَر ابن حجر هذا الاسم في كثير من التراجم، فيقول: “قال العجلي في الثقات، مثل ترجمة: عبدالرحمن بن سعد المدني مولى الأسود بن سفيان ([21])، وترجمة عبيد الله بن عياض بن عمرو بن عبد القاري حجازي ([22]).

وممن قال كذلك بهذا الاسم: الدكتور فؤاد سزكين ([23])، والدكتور أكرم العمري، فذكره في كتب الثقات وقال (كتاب الثقات) ([24]).

الثاني: الجرح والتعديل: وممن قال بهذا الاسم: الإمام الذهبي([25])، والصفدي ([26])، واليافعي ([27])، وابن ناصر الدين ([28])، وحاجي خليفة ([29])، وابن العماد الحنبلي ([30])، وصدّيق حسن خان ([31])، والكتّاني ([32])، وعمر رضا كحّالة ([33])، والدكتور أكرم العمري ([34]).

الثالث: التاريخ: وممن قال بذلك ابن حجر ([35]).

قلت: وهناك من العلماء ذكر أنه كتاب آخر غير الجرح والتعديل، وممن قال بذلك: الذهبي ([36])، واليافعي ([37])، وابن العماد الحنبلي ([38])،وعمر رضا كحالة ([39]).

الرابع: تاريخ الثقات: وهو الاسم الذي طُبع به الكتاب بتحقيق الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي حيث طُبعت بدار الباز بمكة المكرمة سنة 1984م، وعدد الرواة في هذه الطبعة 2116 ترجمة.

الخامس: سؤالات أبي مسلم صالح أباه أبا الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي: وجاء هذا في ترتيب السبكي للكتاب ([40]).

السادس: معرفة الثقات من رجال أهل العلم والحديث من الضعفاء وذكر مذاهبهم وأخبارهم: وجاء هذا في مقدمة السبكي للكتاب كذلك ([41])، وهو العنوان للنسخة المطبوعة بتحقيق عبد العليم عبد العظيم البستوي، حيث طُبعت بمكتبة الدار بالمدينة المنورة سنة 1985م، وعدد الرواة في هذه الطبعة 2366 ترجمة مع زيادات ابن حجر العسقلاني عليها.

السابع: التاريخ ومعرفة الرجال الثقات: وممن قال بهذا ابن حجر ([42]).

ثانياً: مدح العلماء للكتاب:

مدح بعض العلماء كتابه وأثنوا عليه، ومن هؤلاء:

قال الذهبي: “له مصنف مفيد في الجرح والتعديل، طالعته وعلّقت منه فوائد تدل على تبحّره بالصنعة وسعة حفظه” ([43])، وقال: “وهو كتاب مفيد يدل على إمامة الرجل وسعة حفظه” ([44]).

قال الصفدي: “وهو كتاب مفيد يدل على إمامته وسعة حفظه” ([45]).

قال ابن ناصر الدين: “وكتابه في الجرح والتعديل يدل على سعة حفظه، وقوة باعه الطويل” ([46]).

المطلب الثالث : هل العجلي من المتساهلين في الجرح والتعديل

اختلف العلماء في اعتبار العجلي من المتساهلين أم أنه كغيره من العلماء الآخرين المعتدلين، وانقسم العلماء في ذلك إلى فريقين هما:

الفريق الأول: أنه من المتساهلين مثل ابن حبان، وممن قال بذلك:

الأول: ابن الوزير اليماني: حيث أَلَمح لذلك عندما قال: “فتوثيق العجلي لبعض غلاة الشيعة يدل على أنه يوثق الصدوق”([47]).

قلت: وهو أول من أشار إلى هذا الأمر ولم يسبقه أحد من العلماء.

الثاني: الشيخ عبد الرحمن المعلميّ اليمانيّ، حيث قال في أكثر من موضعٍ ما يُشير إلى ذلك، من هذه الأقوال:

“وقد استقرأت كثيراً من توثيق العجلي، فبان لي أنه نحو ابن حبان” ([48]).

وقال: “وكذا توثيق العجلي والحاكم، فإن كلمة (ثقة) عندهما لا تفيد أكثر مما تفيده كلمة (صدوق) عند غيرهما بل دون” ([49])، وقال: “ولم يوثقه أحد غير قول العجلي (لا بأس)، والعجلي متسمّح جداً” ([50]).

وقال: “فلم يبقَ إلا قول العجلي (ثقة) والعجلي متسمّح جداً” ([51]).

وغيرها من الأقوال الأخرى التي تدل على هذا المعنى.

الثالث: محمد ناصر الدين الألباني: حيث قال: “فالعجلي معروف بالتساهل في التوثيق كابن حبان تماماً، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم” ([52]).

وقال كذلك: “وقد صرح بتوثيقهما العجلي وابن حبان، حيث ذكرها في (الثقات)، وتساهله في التوثيق وكذا العجلي معروف لدى من يتبع كلامهما في الرواة المختلف فيهم” ([53]).

الرابع: مقبل بن هادي الوادعي: فقد قال: “قد عُرف بالاستقراء، من تفرده – مع ابن حبان – بتوثيق بعض الرواة الذين لم يوثقهم غيرهما، فهذا عُرف بالاستقراء، وإلا فلا أعلم أحدًا من الحفاظ نص على هذا، والذى لا يوثقه إلا العجلي، والذي يوثقه أحدهما أو كلاهما فقد لا يكون بمنزلة صدوق، ويصلح في الشواهد والمتابعات، وإن كان العجلي يعتبر أرفع في هذا الشأن فهما متقاربان” ([54]).

الخامس: عبدالعليم عبد العظيم البستوي: فقد قال: “ويظهر تساهل العجلي من خلال إطلاق (ثقة) على الصدوق فمن دونه، وإطلاق (لا بأس به) على من هو ضعيف، وإطلاق (ضعيف) على من هو ضعيف جداً أو متروك، وتوثيق مجهولي الحال ومن لم يرو عنه إلا واحد” ([55]).

السادس: محمد بن الأمين الدمشقي، أبو وسيم: فقد ألمح من خلال مقال له على موقعه على الشبكة العنكبوتية على هذا الأمر، حيث ساق أقوال العلماء في تساهله وتوثيقه للمجاهيل، وعدم اعتداد بعض العلماء بأقواله في الرجال ([56]).

والأسباب التي لأجلها اتهموه بالتساهل هي:

الأول: كثرة توثيقه لمن لم نجد لغيره فيهم كلاماً.

الثاني: مخالفته لغيره من أئمة النقد بتوثيقه رواة جهلهم غيره أو ضعفهم أو تركهم.

الثالث: عدم اعتماد الحافظ ابن حجر لتوثيق العجلي إذا انفرد ([57]).

الفريق الثاني: قالوا بأنه ليس من المتساهلين، وأنه مثل غيره من الأئمة النقاد، كالإمام أحمد وابن معين وغيرهما، وممن قال بذلك:

الأول: الشريف حاتم بن عارف العوني: فقد قال: “وبذلك نكون قد رددنا على أدلة وشبه من اتهم العجلي بالتساهل في التوثيق، وبيّنا أن هذا القول قول مستَحدَث، وأن جميع الأئمة السابقين على رأي واحد وهو: اعتقاد إمامة العجلي في علم الحديث، وأنه أحد نقاد الآثار وصيارفة العلل، وأئمة الجرح والتعديل، لا يُغمز بشيء في علمه، ولا يُخّطأ في منهجه، وأنه يُقرن بالإمام أحمد ويحيى بن معين، فلا أرى بعد ذلك عدم الاعتماد على توثيقه بدعوى تساهله، إلا قولاً مرجوحاً فيه إهدار لأحكام جليلة، من إمام جليل” ([58]).

الثاني: الدكتور عبد الله بن عبد الرحيم البخاري: حيث قال رداً على من اتهمه بالتساهل: “مما تقدم يظهر للمنصف بجلاء أن القول بتساهل العجلي ليس صحيحاً فيما يظهر لي، وأن الحافظ العجلي له مكانة ومنزلة عالية بين الحفاظ والنقاد، وأن كتابه يعد من أعظم الكتب وأنفعها كما شهد بذلك عدد من أهل العلم” ([59]).

الثالث: الدكتور محمد الرعود، حيث أجرى دراسة علمية تطبيقية على منهج العجلي، وخَلُص إلى مجموعة من النتائج، منها ما قاله: “وخلاصة القول أن نسبة الضعفاء الذين وثقهم والذين انفرد بذكرهم على اعتبار أنهم مجاهيل هي 8% من كامل العدد، أما الذين سكت عنهم فلا مَلامة عليه في ذلك، ولقد سكت البخاري وأبي حاتم في كتابيهما عن مئات الرجال، فلم يذكروا فيهم جرحاً ولا تعديلاً، ولم يُنتقدوا على ذلك” ([60]).

الرأي الراجح: والذي أميل إليه هو قول الفريق الثاني، وذلك للأسباب التالية:

الأول: الدراسة التطبيقية التي أجراها الدكتور محمد الرعود، حيث قام بدراسة الرواة الذين وثقهم العجلي وضعفهم غير بطريقة علمية، وخرج بنسبة مئوية هي وثيقه للضعفاء، وهي 8% من كامل عدد الرواة الذين تكلم فيهم، وأن هذه النسبة قليلة لا يمكن أن يُبنى عليه حكمٌ بأنه متساهل في التوثيق لسببها ([61]).

الثاني: مثله مثل غيره من النقاد كابن معين وأحمد والبخاري وغيرهم، حيث تفردوا بتوثيق بعض الرواة وقد قُبل منهم هذا الصنيع، والعجلي كذلك إمام ناقد مثلهم يُقبل قوله إذا تفرد ([62]).

الثالث: اعتماد العلماء على توثيقه، كالخطيب البغدادي حيث اعتمد على توثيقه في مائة واثنين وسبعين موضعاً ([63])، وابن حجر، في التقريب – علماً أن لبعضهم رواية في الصحيحين أو أحدهم – أمثلة على ذلك منها:

1/ حفص بن عمر بن عبيد الطنافسي: قال عنه في التقريب “ثقة” ([64])، ولم يذكر في التهذيب إلا توثيق العجلي له ([65]).

2 / أم الأسود الخزاعية: قال عنها في التقريب “ثقة” ([66])، ولم يذكر في التهذيب إلا توثيق العجلي له ([67]).

3 / البراء بن ناجية الكاهلي: بعد أن ذكر توثيق العجلي له وابن حبان وتجهيل الذهبي له، قال: “قد عرفه العجلي وابن حبان”([68]).

قلت: وهذا الذهبي كذلك في كتابه الكاشف ينقل عنه، ويقول في بعض الرواة “وثّقه العجلي” ويسكت – علماً أن لبعضهم رواية في الصحيحين أو أحدهم –، وهذا الصنيع يدل على اعتماده عليه، وثقته بأقواله، ومن الأمثلة على ذلك:

1 / أسماء بن الحكم: عن علي وعنه علي بن ربيعة وثقه العجلي ([69]).

2 / علي بن معبد بن نوح، بغدادي نزل مصر، عن أبي بدر وروح وعنه النسائي، قال المزي: “لم أر ذلك وابن جوصا والطحاوي قال العجلي ثقة صاحب سنة ولي أبوه طرابلس المغرب مات علي 259هـ” ([70]).

الرابع: توثيقه للمجاهيل:

حيث قمت بحصر هؤلاء الرواة وتبين أن عدد الذين وثقهم العجلي ووصفهم غيره بالجهالة بلغوا ثلاثة وثلاثين راوياً، وهذه النسبة من مجموع الرواة كلهم الذين ترجمهم هي1,40%، حسب طبعة عبد العليم عبد العظيم البستوي، و1,56% حسب طبعة دار الباز.

وهذه نسبة قليلة جداً ولا تكاد تُذكر، ولا يُستحق أن يُوصف العجلي بالتساهل بسببها.

خاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، فبعد الانتهاء من هذا البحث يمكن إجمال النتائج التي تم التوصل لها هو:

1 / الإمام العجلي عالمٌ ذو باع طويل بعلم الجرح والتعديل، يشهد له علمه الغزير، وثناء العلماء عليه وعلى كتابه.

2 / يُعتبر العجلي من الأوائل الذين صنّفوا في هذا الفن، واعتمد على كتابه الكثير ممن جاء بعده من العلماء، ومدحه كثير من العلماء وأثنوا عليه، وعلى كتابه كذلك.

3 / يُعدُ الإمام العجلي كغيره من العلماء الآخرين المعتدلين ممن يُعتمد على كلامهم في الجرح والتعديل، ويُحتج بهم إذا انفردوا أو خالفوا، ولا يُعد من المتساهلين.

4 / لا حُجة لمن احتج بتوثيقه المجاهيل على تساهله، لأن نسبة هؤلاء الرواة قليلة جداً مقارنة مع العدد الكلي للرواة الذين ذُكروا في الكتاب، فهي 1,40%، حسب طبعة عبد العليم عبد العظيم البستوي، و 1,56% حسب طبعة دار الباز.

5 / عدد الذين وثقهم هو وجهّلهم غيره ثلاثة وثلاثون راوياً، بسبب جهالة الحال أو العين، وهم فعلاً مجاهيل وليسوا بثقات.

وأخيراً أسأل الله التوفيق والسداد، وأن يريني الحق حقاً ويرزقني اتباعه، ويريني الباطل باطلاً ويرزقني اجتنابه، فإن أصبت فبفضل الله ومنّه وتوفيقه، وإن أخطأت وقصّرت فمن نفسي والشيطان.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك


الهوامش
([1]) انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، محمد ناصر الدين الألباني، 2/218، والثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، 2/749.
([2]) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، المعلمي اليماني، 1/255.
([3]) انظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 5/349، وطبقات علماء الحديث لابن عبدالهادي: 2/251، تاريخ الإسلام: 6/269، وسير أعلام النبلاء: 12/505، وتذكرة الحفاظ: 2/107، والعبر في خبر من غبر للذهبي : 1/374، والوافي بالوفيات للصفدي: 7/51، مرآة الجنان لليافعي: 2/128، المقفى الكبير للمقريزي: 2/514، وطبقات الحفاظ للسيوطي: ص 246، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 3/266.
([4]) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، 5/349.
([5]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 12/507.
([6]) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، 5/349.
([7]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 12/505.
([8]) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، 5/349.
([9]) انظر: مقدمة كتاب تاريخ الثقات، مقدمة عبد العليم عبد العظيم البستوي، ص 36 – 50، وقد ذكر أسماء شيوخه في كل بلد ارتحل إليها.
([10]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 12/506.
([11]) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين الذهبي، 6/269.
([12]) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، 5/349.
([13]) المرجع السابق.
([14]) تاريخ بغداد، الخطيب  البغدادي، 5/349، وسير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 12/506.
([15]) طبقات علماء الحديث، ابن عبد الهادي الصالحي، 2/251.
([16]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 12/506.
([17]) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، 3/266.
([18]) المقفى الكبير، تقي الدين المقريزي، 2/515.
([19]) طبقات الحفاظ، جلال الدين السيوطي، ص 246.
([20]) مقدمة عبد العليم عبد العظيم البستوي لتحقيق الكتاب، 1/62.
([21]) تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، 2/511.
([22]) المرجع السابق، 3/24.
([23]) تاريخ التراث العربي، الدكتور فؤاد سزكين، 1/278.
([24]) بحوث في تاريخ السنة، الدكتور أكرم بن ضياء العمري، ص 101.
([25]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 12/506.
([26]) الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي، 7/51.
([27]) مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، اليافعي، 2/128.
([28]) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، 3/266.
([29]) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، 1/582.
([30]) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، 3/266.
([31]) أبجد العلوم، صديق حسن خان، ص357.
([32]) أبو عبد الله الكتاني، الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، ص 147.
([33]) معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، 1/294.
([34]) بحوث في تاريخ السنة، الدكتور أكرم العمري، ص 106، حيث ذكره في الكتب التي جمعت بين الثقات والضعفاء.
([35]) تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، 2/357.
([36]) العبر في خبر من غبر، شمس الدين الذهبي، 1/374.
([37]) الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، أبو محمد اليافعي، 2/128.
([38]) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، 3/266.
([39]) معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، 1/294.
([40]) مقدمة عبد العليم عبد العظيم البستوي، لتحقيق الكتاب، 1/62.
([41]) المرجع السابق.
([42]) المعجم المفهرس أو تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة، ابن حجر العسقلاني، ص166.
([43]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، 12/506.
([44]) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين الذهبي، 6/269.
([45]) الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي، 7/51.
([46]) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، 3/266.
([47]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ابن الوزير القاسمي، 8/27.
([48]) حاشية الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، الشوكاني، ص22 .
([49]) المرجع السابق، ص 64.
([50]) المرجع السابق، ص 220.
([51]) المرجع السابق، ص 485.
([52]) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، ناصر الدين الألباني، 2/218.
([53]) الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، ناصر الدين الألباني، 2/749.
([54]) المقترح في بعض أجوبة المصطلح، مقبل الوادعي، ص 46 – 47.
([55]) انظر: مقدمة تحقيق الكتاب، عبد العليم عبد العظيم البستوي، ص 125 – 131.
([56]) مقال بعنوان (منهج العجلي في الجرح والتعديل)، ورابطه على الشبكة العنكبوتية هو: http://www.ibnamin.com/Manhaj/ejli.htm
([57]) بحث حول توثيق العجلي للدكتور الشريف حاتم بن عارف العوني، ورابطه على الشبكة العنكبوتية هو:  http://www.feqhweb.com/vb/t5529.htm
([58]) المرجع السابق.
([59]) http://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=38506
([60]) انظر : منهج الحافظ العجلي في كتابه الثقات، الدكتور محمد عبد الرزاق الرعود، ص 233 – 234.
([61]) انظر : المرجع السابق.
([62]) انظر قول الشريف حاتم بن عارف العوني: http://www.feqhweb.com/vb/t5529.html
([63]) موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، الدكتور أكرم ضياء العمري، ص 312.
([64]) تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، ص 173.
([65]) تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، 1/455.
([66]) تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، ص 755.
([67]) تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، 4/692.
([68]) تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، 1/217، وقد استفدت هذه الأسماء من بحث الدكتور الشريف بن حاتم.
([69]) الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، شمس الدين الذهبي، 1/242.
([70]) المرجع السابق، 2/47.