تطور علوم المصطلح وابتكار قواعد نقدية ردة في علم الحديث .. استقيموا يرحمكم الله

مقالات حديثية
بواسطة Admin منذ 7 سنوات


تطور علوم المصطلح وابتكار قواعد نقدية ردة في علم الحديث .. استقيموا يرحمكم الله

د. عبد السلام أحمد أبو سمحة

أستاذ الحديث المشارك ومساعد الأمين العام للندوة الدولية للحديث الشريف – كلية الدراسات الإسلامية والعربية – دبي


 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد،،،

رضي البعض القول بتطور علم المصطلح والمدرسة النقدية ويصرح بذلك، والبعض الآخر يرضاه ولا يصرح لكن حقيقة عمله لا سيما في مخالفة أحكام النقاد تشير بذلك، وغيرهم يعد حقا للمتأخر ابتكار قواعد نقدية تعارض أحكام نقاد عصر الرواية وتأصيلاتهم.

وهذا وذلك وأولئك من أخطر ما يواجه المدرسة النقدية الأصيلة في علم الحديث، وقولهم وفعلهم هذا لا يقبل مطلقا، بل يعد ردة في علم الحديث؛ ابتكار قواعد جديدة في نقد الراوي والمروي ردة في علم الحديث.  وإليكم الأسباب الموضوعية لهذا الأمر:

أولاً:  هذا أمر غير منضبط، فيمكن لأي أحد أن ينقض به كل المدرسة النقدية لنقاد عصر الرواية بهذه الحجة، فما المانع أن يبتكر أحدنا اليوم قواعد نقدية جديدة تقبل المرفوض، وترفض المقبول من الحديث (وهذا موجود) .

ثانيا: إنشاء القواعد النقدية الاصطلاحية قضية محددة الزمان، ومحددة البيئة.

الزمان؛ عصر الرواية.  البيئة؛ الرواة والرواية والنقاد في مظلة الزمان، وتضاريس المكان العلمية.

والسؤال المفترض:  لماذا قيد التأصيل والتقعيد بعصر الرواية؟  والجواب:  قيد التأصيل والتقعيد بعصر الرواية للاعتبارات الآتية:

أولًا:  من المهم معرفة المرحلية النقدية نشأة وتطور ا واستقرارا ، فكل مرحلة من مراحل الحديث والرواية لها أصحابها ودورهم في النقد، والزمن تختلف فيه المعطيات وتختلف فيه الأحوال، أسميها البيئة العلمية فهي التي تفرض النقد ونوعيته، وهي التي تمنح التأصيل النقدي لفئة دون فئة أو لزمان دون زمان، والنقد واسع المفهوم، يشمل:

نقد الفهم؛ وجدناه عند الصحابة حتى أن بعضهم كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لتصويب فهمه للأحاديث، فهذه عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه و سلم قال:  “من حوسب عذب”.  قالت عائشة “فقلت أوليس يقول الله تعالى : {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} . قالت فقال:  “إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك”، هذا نقد فهم.

وأما نقد الرواية؛ فمارسه عمر بن الخطاب لما سمع ذلك الصحابي يقرأ بغير القراءة التي علمها إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه من تلابيبه الى المصدر الأصيل للرواية؛ هذا نقد نقل.

وأما نقد العدالة، عن ابن سيرين، قال: ” لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا:  سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم “. فنقد عدالة أحد شقي النقد.

نقد احترافي، الصنعة النقدية؛ ثم لما بدأ يتكاثر الرواة، و عمِّرت مجالس العلماء، وكثر الشيوخ، وتعدد أصحابهم، هنا بدأت الصنعة النقدية الإحترافية التي نتكلم عنها، وبدأت المقارنات بين الرواة وأدائهم، فكلما تقادم الزمان وكثر الرواة، زاد النقد وكثرت المقولًات النقدية، حتى إذا استقرت الرواية استقر معها النقد تأصيلا وتقعيدا، ممارسة وتطبيقا.

ثانيا: الناقد يرى الراوي أمامه ويعاين الأخطاء التي يقع فيها، فهو ممارس للرواية، مشاهد لأخطاء الرواة، مميز مدرك لسبل كشفها، وأساليب نقدها.  من هنا فقد حصر النقاد وأهل الحديث في عصر الرواية رواة الحديث ومروياتهم وهذا لا يشك أحد فيه ، فكل من جاء بعد عصر الرواية اعتمد على مصنفاتهم.  فهل يعقل أن يفوتهم حصر نوعية الأخطاء التي وقع فيها هؤلاء الرواة؟ وينظموا في إثر ذلك القواعد الكاشفة لهذه الأخطاء؟ ثمت تلازم بينهما !!!!

وهل من المقبول أن يأتي من يقول: ثمت قواعد جديدة تضبط عملية قبول الروايات وردها، لم يأت عليها النقاد، والأدهى من ذلك مخالفة مخرجاتها أحكام نقاد عصر الرواية.

ثالثا:  في هذا الكلام الخطير اتهام بالجملة للمنهج النقدي في علم الحديث، واتهام على وجه الخصوص لنقاد عصر الرواية بقصور عملهم عن شمولية إدراك أخطاء الرواة، وهذا اتهام خطير لا نقبل به.

فلو فرضنا أن أي أحد لاحق الحق في ابتكار مثل هذه القواعد، فإن هذا الأمر يعني أن هذه الروايات سارت أربعة قرون  (على أقل التقديرات)  من تاريخ الأمة الاسلامية لم تقدر القواعد النقدية في عصر النقاد الأوائل عن تمحيصها وتميز صحيحها من سقيمها! لأن قواعدهم باختصار عجزت عن الكشف عن الخطأ؟  فهل يقول بهذا أحدٌ؟؟

رابعا:  لماذا نردد دوما نقاد عصر الرواية؟ ولماذا نربط النقد بعصر الرواية؟ السبب في ذلك أن الرواية والنقد كفرسي رهان، فلا يمكن أن نتخيل رواية لأمة تزعم أنها نقحت رواياتها، ولا يسير النقد فيها سيرا حثيثا، كتفا بكتف مع الرواية، لأجل ذلك واكب النقد تأصيلا وتقعيدا الرواية ولم يتأخر عنها.  ولنا في الأمم السالفة خير مثال فلما تأخر النقد لروايات أهل الكتاب انظر ما حدث في مروياتهم، حتى إن بعض نقاد مؤرخي الديانة النصرانية يقول: “كل ما يمكن أن أثبته عن المسيح أن لا أقول شيء”

إذا الرواية والنقد يسيران سيرا واحد، فإذا تخلف النقد تأصيلا وتقعيدا عن الرواية في أمة من الأمم فاحكم على رواياتها بالبطلان.

خامسا:  قد يقول قائل:  نعم فقد نقد نقاد الحديث الروايات وهذا لا ينكره أحد ، لكنهم تركوا غيرها من الروايات؟ والإجابة تكون في مقامات متعددة:

المقام الأول:  لابد أن نذكر أن الكلام كله يسير باتجاه القواعد النقدية وشموليتها لاستيعاب نوعية الأخطاء التي وقع فيها الرواة.  وليس الحديث عن شمولية نقد الروايات كلها، والفرق بينهما كبير.  من لا يقدر على استيعاب الفرق فليترجل عن ساحة هذا التخصص!!!

المقام الثاني:  الفرق بينها أيضا أن إقرار القواعد النقدية وتأصيلها أساس مهم، فعليه تُبنى العملية النقدية بأسرها، ومن هنا فإن نقد النقاد مثل وحقق هذه الشمولية، وترك استيعاب التطبيق وشموليته لكل مجتهد في تطبيق هذه الأصول النقدية.

المقام الثالث:  والفرق كبير بين القول:  أن ثمت أحاديث لم يحكم عليها النقاد،  والقول أن ثمت قواعد لم تواكب أخطاء الرواة.

المقام الرابع:  لا أقول أن نقاد عصر الرواية نقدوا جميع المرويات، بل نقدوا كل أصول الخطأ )كما سبق(؛

فإدخال حديث في حديث على سبيل المثال نقد وله أمثلة في صنيع النقاد، وهناك أمثلة لم ينتقدوها، لكن تأصيله النقدي موجود، والتطبيق على ضوئه مفتوح، والممارسة لكل ماهر وفق أصول المدرسة النقدية مسموح.

وسلوك الجادة، انتقدوا منها ما يؤصل لها، ولم يشمل نقدهم كل أحاديث سلوك الجادة.

وكذا تعارض الوصل والإرسال، والوقف والرفع ، والاتصال والانقطاع، وزيادة الثقة.

وفي أحاديث الثقات نقدوا منها الخطأ، فصار عندنا تأصيل نقدي أن الثقة يخطئ، وصححوا صواب الضعفاء، فأصبح لدينا أصل نقدي أن الضعيف قد يصيب.

وغيرها وغيرها من الأصول النقدية.

سادسا:  لأجل ذلك كله نقول:

القواعد النقدية الي وجدت في ممارسة نقاد عصر الرواية قواعد أصيلة لا يجوز الخروج عليها، ولا يجوز تطويرها، ولا الابتكار في ميدانها، فلا سبب علمي موجب لتطويرها، فالرواية انتهت، وأخطاء الرواة حصرت، فكيف السبيل إلى تطويرها؟ إنه الهدم لا التطوير، والمخرجات خير دليل.

سابعا:  قد يسأل سائل أمام هذه كله ما هو العمل العلمي الموضوعي المطلوب؟

وهذا سؤال محق فالعمل العلمي الموضوعي الجاد يتجه نحو:  تفسير الممارسة النقدية لنقاد عصر الرواية وتحويلها من مقولات نقدية إلى دلالات اصطلاحية، هذا أولاً.

وأما ثانيا:  ممارسة النقد وفق نظرية نقاد عصر الرواية على المرويات التي لم يحكم عليها، أو تعارض فيها قول النقاد.

وأخيرا:

قد يأتي معطل ليقول :  إن كتب المصطلح اشتمل على كل هذا، وكفى الله المؤمنين القتال، والله يعطيك العافية، تعبت نفسك على الفاضي، جعجعة دون طحن، وقد يقول غيره تلك العبارات الرنانة التي مللت منها، فهي لا تقدم علما، ولا تؤخر في همة.

أقول:  استقيموا يرحمكم الله، فأبواب العلم والبحث لا يغلقها أحد، فهي مثل التوبة، لا يوقفها إلا غرغرة صاحبها، أو غرغرة العلم، والعلم ماض إلى يوم القيامة، وحال قيام قيامتنا حسبنا أننا حاولنا، والله المستعان. أقول:

ازعم أن النقاد لم يصححوا بالشواهد، فنقول لمن صحح بالشواهد فنسال هل النقاد فعلوا هذا ؟ اذا فعلوا سمعا وطاعة، أما اذا لم يفعلوه فلا يجوز أن يبتكر قاعدة نقدية لم يأت عليها عمل النقاد، فلو كانت هذه القاعدة قاعدة أصيلة في النقد ما تجاوزها عصر نقاد الرواية.

ازعم أن ثمة إشكالية في مفهوم الحديث الصحيح.

ازعم أن ثمة إشكالية في مفهوم الضبط.

ازعم أن ثمة إشكالية في زيادة الثقة.

التقسيم الرباعي للحديث المقبول.

وغيرها من الإشكاليات البحثية.

من هنا فإن القول بتطوير القواعد النقدية أو ابتكارها، يعد ردة في علم الحديث.

أمام هذه كله:  لعل الكثير يتفق معنا في هذه الكلام النظري، ثم نأتي عند التفصيل ونختلف،

وهذا كلام مصيب، بيد أن الاتفاق على مرجعية نقاد عصر الرواية لا بد أن تكون قناعة

علمية وإذعان معرفي، وسلوك عملي، وهنا نطرح المسائل السابقة لمزيد من الدراسات

التحليلية النقدية المقارنة.

والله من وراء القصد